روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | ارقبوه.. فإن عملها فاكتبوها له بمثلها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > ارقبوه.. فإن عملها فاكتبوها له بمثلها


  ارقبوه.. فإن عملها فاكتبوها له بمثلها
     عدد مرات المشاهدة: 2537        عدد مرات الإرسال: 0

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  قال الله عز وجل: 

(إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الملائكة:  رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به، فقال:  ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرَّاي).

رواه الشيخان، وهذه رواية مسلم.

غريب الحديث:

تحدث:  أراد، وحدث نفسه

من جرَّاي:  من أجلي

منزلة الحديث:

هذا الحديث يبين عظيم فضل الله ورحمته بعباده، ويبعث الأمل في نفس المؤمن، ويدفعها للعمل الصالح وكسب الأجر والثواب، فما أعظمه من حديث لترغيب القانطين من رحمة الله.

كتابة الحسنات والسيئات:

تضمن الحديث بألفاظه المختلفة طريقة كتابة الحسنات والسيئات وأن ذلك على أربعة أنواع، هي: 

1- الهم بالحسنة: 

فإذا هم العبد بعمل الحسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة من دون مضاعفة لها، وقوله:  (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة) المراد به الهمُّ والعزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل، وليس مجرد الخاطر العابر، ومما يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في المسند بإسناد صحيح: 

(فعلم الله أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة) ، وهذه هي نية الخير التي ينبغي على العبد أن يستصحبها في كل عمل، ليكتب له أجر العمل وثوابه ولو لم يعمله، وفي الحديث الصحيح:  (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا شركوكم في الأجر حبسهم العذر) رواه مسلم.

قال زيد بن أسلم:  " كان رجل يطوف على العلماء يقول من يدلني على عمل لا أزال معه لله عاملا، فإني لا أحب أن يأتي على ساعة من الليل والنهار إلا وأنا عامل لله تعالى، فقيل له:  قد وجدتَ حاجتك، فاعمل الخير ما استطعت، فإذا فترت أو تركت، فَهِمَّ بعمله فإن الهامَّ بفعل الخير كفاعله ".

2- عمل الحسنة: 

إذا عمل العبد الحسنة ضاعفها الله له إلى عشر أمثالها، وهذه المضاعفة ملازمة لكل حسنة يعملها العبد، وأما زيادة المضاعفة على العشر فهي لمن شاء الله أن يضاعف له، فقد تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

كما ثبت ذلك في نصوص عديدة منها قوله تعالى في النفقة:  {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} (البقرة: 261).

فدلت هذه الآية على أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف، وفي السنن عن خريم بن فاتك قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف).

وقد تضاعف إلى أكثر من ذلك كما في حديث دعاء السوق الذي رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:  (من دخل السوق فقال:  لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة) .

وهناك أعمال لا يعلم مضاعفة أجرها إلا الله سبحانه كالصوم ففي الحديث القدسي:  (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) أخرجاه في الصحيحين، لأنه أفضل أنواع الصبر، وإنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب.

ومضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بأمور منها:  حسن إسلام المرء كما جاء ذلك مصرحاً به في قوله - صلى الله عليه وسلم -:  (إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقي الله) رواه مسلم، ومنها كمال الإخلاص، وفضل العمل، وزمن إيقاعه، وشدة الحاجة إليه.

3- الهم بالسيئة: 

الهم بالسيئات من غير عمل لها، فإذا هم العبد بفعل سيئة ثم تركها من أجل الله فإنها تكتب له حسنة كاملة، بشرط أن يقدر عليها ثم يتركها خوفاً من الله كما في الحديث السابق (إنما تركها من جراي) يعني من أجلي.

وأما إن هم بالسيئة ثم تركها مراءاة للمخلوقين أو خوفاً منهم، أو عجزاً عنها، فإنه لا يستحق أن تكتب له حسنة كاملة، بل تكتب عليه سيئة النية كما في حديث:  (إنما الدنيا لأربعة نفر) وذكر منهم رجلاً لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان من أهل المعصية والفسق فقال عليه الصلاة والسلام:  (فهو بنيته فوزرهما سواء) رواه الترمذي.

وأما إن سعى إلى المعصية ما أمكن ثم حال بينه وبينها القدر فقد ذكر جماعة من أهل العلم أنه يعاقب عليها حينئذ عقاب من فعلها، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين:  (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ ! قال:  إنه كان حريصا على قتل صاحبه) .

وأما إذا لم تصل المعصية إلى مرتبة الهم والعزم كأن تكون مجرد خاطر يمر على القلب ولا يساكنه، بل ربما كرهه صاحبه ونفر منه، فإنه معفو عنه ولا يحاسب المرء عليه، بدليل قوله سبحانه:  ارقبوه.

فإن عملها فاكتبوها له بمثلها {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} (البقرة: 284) ، فإن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة.

فظنوا دخول الخواطر فيها فنزلت الآية بعدها وفيها قوله سبحانه:  {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} (البقرة: 286) قال سبحانه كما في الصحيح (قد فعلت) ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) .

4- عمل السيئة: 

فإذا عمل العبد سيئة فإنها تكتب عليه من غير مضاعفة، كما قال سبحانه:  {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون} (الأنعام: 160) ، لكن عقوبة السيئة قد تعظم لأسباب عدة منها:  شرف الزمان، فالسيئة أعظم تحريماً عند الله في الأشهر الحرم.

قال سبحانه:  {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} (التوبة: 36) ، فقد نهى سبحانه عن ظلم النفس في جميع أشهر السنة، واختص منها الأشهر الحرم، فجعل الذنب فيها أعظم.

ومنها: شرف المكان كالبلد الحرام قال سبحانه:  {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} (الحج: 25) يقول عمر رضي الله عنه:  " لأن أخطئ سبعين خطيئة يعني بغير مكة، أحب إلى من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة ".

وقد تضاعف السيئات لشرف فاعلها ومكانته عند الله، قال تعالى:  {يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا} (الأحزاب: 30) .

لا يهلك على الله إلا هالك:

وبعد هذا الفضل العظيم، والرحمة الواسعة منه جل وعلا، لا يهلك على الله إلا من استحق الهلاك، وأغلقت دونه أبواب الهدى والتوفيق، مع سعة رحمة الله تعالى وعظيم كرمه، حيث جعل السيئة حسنة إذا لم يعملها العبد، وإذا عملها كتبها واحدة أو يغفرها.

وكتب الحسنة للعبد وإن لم يعملها ما دام أنه نواها، فإن عملها كتبها عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فمن حُرِم هذه السعة، وفاته هذا الفضل، وكثرت سيئاته حتى غلبت مع أنها أفراد، وقلت حسناته مع أنها مضاعفة فهو الهالك المحروم، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه:  " ويل لمن غلبت وِحْداتُه عشراتَه ".
 

المصدر: موقع إسلام ويب